20 - 06 - 2024

تباريح | شيخوخة مبكرة للنظام

تباريح | شيخوخة مبكرة للنظام

(أرشيف المشهد)

  • 7-12-2015 | 15:20

لى صديق يسارى قديم تملأ الشكوك والوساوس نفسه رغم دماثة خلقه وثقافته ومهنيته العالية ورجاحة عقله، فوجئت به يوما يلبس كيسا من البلاستيك ليكون عازلا بين حذائه وجوربه، وحين سألت عن السبب أخبرنى بجدية أن الصهاينة يتعمدون نشر إشعاعات نووية فى الطرق التى يسلكها !!

كان ذلك فى التسعينيات بعدما خمدت الحروب بين جهاز المخابرات المصرى والموساد، كما لم يكن للرجل منجز علمى أو أدبى يجعله يخشى على حياته بهذه الطريقة، تطورت المسألة فيما بعد وأصبح أى تلف يصيب ماسورة الصرف فى العمارة التى يقطنها، أو أى عاصفة تهب وتثير الغبار فى وجهه، أو أى تشويش يحس به فى اتصال هاتفى، مسئولية جهاز الموساد.

بالطريقة نفسها يفكر النظام الحاكم فى مصر، فهو يعانى من فوبيا الإخوان وفوبيا مجلس إدارة العالم، كما كان يعانى صديقى من فوبيا الموساد.

حين يعصف الإهمال ببالوعات مجارى الإسكندرية فتلك مسؤولية الإخوان، وحين يحدث خطأ ويتم قصف سياح مكسيكيين فى صحراء الواحات فتلك مسؤولية مجلس إدارة العالم الذى حاول بهم إثارة عواصف وأعاصير تفتك بمصر. العجيب أن هذه الروايات الخارجة عن نطاق العقل تجد لها مصدقين ومروجين ومدافعين ليس فقط بين غمار الناس، وإنما فى أجهزة الإعلام ودوائر السلطة.

ولأن العقول أصبحت مغيبة، فإن هناك توجس من كل شىء، من كل إعلامى يمارس حريته فى النقد، لأنه وفقا لهذا المنطق المريض سيتضح أنه خلية نائمة، من كل حر كان يود أن يرشح نفسه فى الانتخابات، فمجلس النواب له صلاحيات ويمكن أن يشكل الحكومة ويقيلها، ويدير السياسات ويشكل قيدا على تصرف الرئيس، ومن ثم فإن تسرب عشرات الأعضاء ممن هم خارج السيطرة، يمكن أن يمثل خطرا على البلاد والعباد.

مد الخط على استقامته جعل الحرية خطرا وحقوق الإنسان خطرا، وذكر ثورة يناير بأحلامها وطموحاتها أصبح خطرا محدقا، لدرجة أن السلطة وأجهزة الأمن أصبحت تتمنى أن يصاب يناير بنوبة قلبية مفاجئة ويسقط من أجندة العام !!

والنتيجة تصحر سياسى لا سابق له، وأمل مفتقد فى غد، فلا غد يمكن أن يأتى مع برلمان تم تشكيله على عين السلطة، فالحقيقة أن الرئيس لم يعين فقط 5% من أعضاء البرلمان استخداما لحقه الدستورى، وإنما عين فعليا 95 % منه، عبر المناخ الذى أشاعه، والأجهزة التى اختارت نوابه والقوائم التى تشكلت لحصد الغالبية العظمى فيه، يكفى عارا أن يكون رئيس نادى الزمالك وتوفيق عكاشة هما أبرز مرشحين – حتى الآن – لرئاسة مجلس النواب، بعد ثورتين.

يكفى عارا ارتباك أجهزة الدولة المصرية فى إدارة أزمة سقوط الطائرة الروسية، وعدم توقع الأجهزة السيادية لرد فعل بريطانيا خلال زيارة الرئيس لها، يكفى عارا أن كل الكفاءات أصبحت خارج جهاز الدولة، يكفى عارا مئات المصانع المغلقة والعمالة المشردة، يكفى عارا أن الناس فى بلادى يتقلبون على جمر الصمت ويخشون الكلام، يكفى عارا أن الجميع، سلطة وأجهزة ومواطنين، يخشون من غد مجهول لا يعرفون بمن يعصف.

تخلصوا يامن تتولون أمر هذا البلد المنكوب بشيخوختكم المبكرة وقصور نظركم من الشكوك والوساوس، فحين نضخم المخاطر لا نستطيع مواجهتها، وحين نحول التحديات إلى مستحيل لا يمكننا قهرها.

مصر قادرة على عبور هذا النفق المظلم.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان